الـــــنـــص :
قال محمد البشير الإبراهيمي
إن الاحتقار هو الأساس الخلقي الذي وضع عليه الاستعمار قواعده ، و بنى عليه قوانينه ، ولكنه بعد (أن تراءى العيانان): عيان الفاعل و عيان القابل ، لم يجد فينا قابلية الاحتقار، أباها لنا عرق في الإباء أصيل ، و إرث من محمد أثيل ، فانقلب ذلك الاحتقار على مرّ الزمن حقدا ( يصهر الجوانح )، و تحول بفعل الأحداث بغضا يأكل الأكباد.
ابدأ بما شئت ،واختم بما شئت من النظم و القوانين التي تساس بها الجزائر، تجدها كلها دائرة في مبادئها و غاياتها على محور واحد ، وهو احتقار المسلم الجزائري و بغضه ، وانظر ما شئت في أعمال الحاكمين كبارا و صغارا ، وفي ملابساتهم للناس ، وفي شمائلهم ، تجد الأعمال مفسرة لذلك والملابسات حتى في الحديث جارية على ذلك.
هلم إلى الدين تجد الاستعمار الذي كفر بالأديان يقول لك بصريح القول والعمل : أنا أحق منك بالتصرف في دينك ، فلا تدخل المسجد إلا بإذني ، ولا تصل إلا من وراء إمامي ، ولا تضع زكاتك إلا برخصتي ،ولا تصم إلا على رؤيتي ، ولا تزك إلا بعد استشارتي ، ولا تضع زكاتك إلا حيث أريد ، لا حديث تريد ، ومعنى هذا كله نسخ آية من القرآن بآية من وحي الشيطان، ولم يبق إلا أن تتلوها كما يريد ، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي و مماتي للاستعمار وكذب الشيطان الرجيم وأفك الاستعمار الذميم .
ثم انظر إلى قوانين التعليم ،(و هو سر الحياة) ، تجد الاحتقار و البغض ماثلين في كل جولة طرف، يقول المسلم الجزائري للاستعمار : علمني ، فيقول : لا ، ويقول له : دعني أتعلم وحدي ما يقوّمني ، فيقول : لا ، و يقول له : دعني أعنك على التعليم العام ، فيقول : لا ، ولا تبقى الرابعة بينكما ، لا يمنعك من قولها إلا الرهبة منه ، ولا يمنعه من قولها إلا احتقارك أيضا ، ولو قالها لكانت ترجمتها : لا أعلمك لأنني أحتقرك و أبغضك ، ولا أدعك تتعلم وحدك لأنني أحتقرك وأبغضك ،و لا أدعك تعينني لأنني أحتقرك وأبغضك .
وتعال إلى القوانين الجنائية ــ وهو مظهر المساواة فيما يزعم الاستعمار ــ تجد الألفاظ واحدة، والتطبيقات مختلفة ، يجني الجانيان منا ومنهم جناية متماثلة الكم والكيف و الظروف و الشهادات والقرائن ، فيصطرع القانون المكتوب في الطروس ، والقانون المكتوب في النفوس ، ويتضاءل الأول أمام جانيهم حتى ليكاد يعتذر إليه ، فتصبح جنايته بالتأويل ليست جناية فلا جزاء عليها ، و تسمى جنايتنا بالتهويل جنايتين و نصفا ، فالجزاء عليها ضعفا و ضعفا .
وانحدر إلى الإجراءات البوليسية البسيطة فما فوقها تجدها كأنها تنفيذ لشريعة اسمها شريعة الاحتقار والبغض ، أول موادها لا رحمة بضعيف ، ولا عذر لعائل ، ولا شفقة على بائس ، و لا احترام لذي مقام ديني ، بل كل المسلمين سواسية أمام قانون الاحتقار.
إن الاحتقار هو الأساس الذي بنى عليه الاستعمار تربيته و تعليمه ،و حكمه ، وقد أصبح خلقا ذاتيا في
أبنائه و أنصاره وحكامه ، لا يستطيعون الانفكاك عنه لأنه جزء من وجودهم ، و مادة لحياتهم ، ثم غمر
البغض عنصرين مكونين لشيء موجود هو هذا الظلم.
و إن الاحتقار و البغض هما اللذان رفعا الحصانة عن ديننا و أموالنا و أعراضنا و أبداننا .
الأســـــــئـــــــــلــــــــة
البناء الفكري
1 ــ على أي أساس قامت فلسفة الاستعمار في الجزائر ؟ و ما أثر ذلك في نفوس الجزائريين ؟
2ــ بيّن الإبراهيمي طبيعة تعامل الحكام المستعمرين والشعب الجزائري في عدد من الميادين،ما هي اشرح سلوك الاستعمار في كل ميدان وفق ما فهمته من النص.
3 ــ ما رأيك فيم توصل إليه الإبراهيمي ؟
4 ــ هل نجح الاستعمار في تطبيق فلسفته ؟ لماذا ؟
5 ــ لخص مضمون النص .
6 ــ في أي نوع من أنواع النثر تصّنف هذا النص؟ علل جوابك .ثم حدد موضوعه و هدف الكاتب منه.
7 ــ النص طافح بالعواطف ، وضحها مع التمثيل .
8 ــ يعكس النص حقبة تاريخية في كفاح الشعب الجزائري ، وضحها .
9ــ استنادا لمعطيات النص و ما درسته عرف البشير الإبراهيمي .
البناء اللغوي
1 ــ ما هي الأدوات التي تحقق بها الاتساق و الانسجام في النص ؟
2 ــ حدد السمة الأسلوبية الظاهرة في الفقرة الرابعة من النص؟ ما نوعها وما غرض الكاتب منها ؟
3 ــ عادة ما يوظّف الابراهيمي الصور البيانية بكثرة.بم تعلل قـلـة توظيفها في هذا النص.؟
4 ــ ما هو النمط الغالب على النص ؟ اذكر خصائصه مع التمثيل .
5 ــ في النص نبرة خطابية واضحة. في أي الألفاظ تجسدت ؟وما دلالتها النفسية والأدبية؟
6 ــ ينتمي محمد البشير الإبراهيمي إلى مدرسة أسلوبية ، ما هي ؟ وما تجلياتها في النص ؟
7 ــ أعرب الكلمات المسطر عليها، واذكر محل الجمل المحصورة بالقوسين .
التقويم النقدي :
ظهر في العصر الحديث صراع بين تيارين أدبيين : تيار المحافظين و تيار المجددين .
ما مظاهرهذا الصراع ؟ وضـّح ما تذهب إليه بأمثلة جسـّدته (جسدت هذا الصراع). أترى محمد البشير الإبراهيمي محافظا أم مجددا ؟ علل .