البَتُول عضو Vip
عدد المساهمات : 69 تاريخ التسجيل : 18/08/2010 النقاط : 50377 العمر : 32
| موضوع: أطفال سرقت منهم البراءة السبت نوفمبر 20, 2010 9:49 am | |
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كنا أطفالا صغارا نحمل بين أناملنا قطع الحلوى، لا نعرف إلا متعة اللعب.نراقص الدمى ونلقي بالكرات الملونة أمامنا تتدحرج، فتهزنا النشوة والفرحةولا نكترث لغضبة أحد .
تذوقنا معنى الحرية وارتشفنا قطراتها الندية، كانت أقدامنا تتحرك بخطى بطيئة، حافية على بساط الأرض، نحبو وبأيدينا نصفق .
أدركنا معنى التحدي، فكنا نرفع أيادينا الصغيرة وهاماتنا للأعلى تتقدم ،وإن هوت أجسادنا الفتية من تعب كررنا المحاولة مرات حتى نقف .
تعلمنا كيف نخطو أول الخطوات ونبتسم ، بعدها نما فينا الطموح فصرنا نركض في كل الاتجاهات ولا نتعب.
دخلنا المدارس وأحسسنا بصعوبة النطق بالحرف وألسنتنا تتلعثم ، شعرنابلحظات الخوف حين نمتحن، ومع ذلك كانت جرأتنا أكبر من معنى الخوف بداخلنايرتعد . كانت الأشياء حولنا جميلة، نراها بعيون حدقتها لم تتسع ، لتكتشف صور هذاالعالم الكبير، بكل ما يحمله من ألوان الخير والشر ، كان يكفينا أن عيوننالا ترى إلا عالمنا بستانا أخضر ، تتفتح فيه الزهور بكل ألوان الربيعالمزركش .
كبرنا ودخلنا الجامعات وتخرجنا من تخصصات مختلفة ، وحرف شتى ، توسعتمداركنا وتجاربنا، وصرفتنا الحياة بأعبائها وأثقالها وشدائدها عن ساحاتاللعب، وولجنا أبواب أخرى، فتحت أمامنا مساحات أكبر من بساط الأرض التيكنا عليها صغارا نحبو ونلعب .
صرنا آباء وأمهات، ولدينا أطفالا يعيشون نفس لحظات العمر التي عشناها ،ونفس الأطوار التي مررنا بها، ونفس الأحاسيس على اختلاف بيننا وبينهم فيالأذواق والاختيارات . ولكننا اليوم نسينا أننا كنا نشبههم حتى في معالم الصور، وتقليد الحركات،لأن الذاكرة صارت تحمل قضايا وهموما أكبر من حجم ذكريات وأحلام الطفولة وبدأنا نمارس على أطفالنا أنواعا مختلفة من التعذيب النفسي أو الجسدي، معأننا نحبهم ونتمنى لهم حياة أفضل، ونسعى لنحقق أحلامهم وطموحهم، ولكننا قدنخطئ بأسلوبنا وطريقتنا في التعبير عن حبنا لأطفالنا، فمنا من لا يعرف كيفيحبهم، ولا كيف يشعرهم بحبه، ومنا من يعجز عن أن يقدم لهم الحب الذي همبحاجة إليه .
فهل من الحب الصادق أن تسرق فرحة طفلك لمجرد أنه يمسك بخيوط الدمى أمامكتتحرك، أو لأنه يرسل كرته في اتجاهات مختلفة صوتها يزعجك، وحركتها تضايقك،فتسرع الخطى لتخطفها قبل أن تمسكها يده، ثم فجأة يبحث عنها وأنت تنتشيبانتصارك عليه، وتستمتع لأنك أخفيتها وعالجت طنين أذنك ؟؟ هل تعتقد أيها الأب وأنت أيتها الأم أنكما تملكان بإقدامكما على مثل هذاالتصرف تعبرا عن حبكما لطفلكما؟ أو أنكما كذلك تنجحان في جعله يحبكماباختياره؟
لو أن كل طرف منكما عاد سنوات إلى الوراء، وتذكر لحظات مرت من عمره ، هيكعمر طفله الصغير، ألم يكن حينها يحب اللعب، ويستمتع أنه يمسك بالكرةويحرك الدمى والعرائس، وقد يمل منها فيكسرها ويحطمها، ويطلب اقتناء غيرهاألم تكن حركات كل منكما تضايق من حوله، ومع ذلك كنتما تستمتعان أطفالابفرحة اللعب، ونشوة الحركة وخفة الركض دون كلّ أو ملل.. ألم تكن ملابسكماالجميلة والنظيفة من كثرة اللعب تتمزق وتتسخ، ومع ذلك لا تهتمان إلا لمتعةاللعب ,.
هل من الحب الصادق أن ترغم طفلك على فعل ما يكرهه، فتجبره على أن ينامويغمض عينيه في الظلام، ثم ترحل عنه وتتركه وحيدا يتخيل أمامه كل الصورالتي ترعبه؟ إنك ومن غير أن تقصد زرعت بداخل طفلك معنى الخوف صغيرا، ويوما ما سيكبرهذا الخوف بداخله وحشا يدمره، وزرعت بداخله معنى أن يقبل ما يكرهه ويوماما لن يملك أن يدافع عن حقه أو أن يناضل لأجل أن يحافظ عليه .
هل تستطيع أن تجبر نفسك الآن وأنت كبير على أن تنام ، وأنت لا تستطيع ذلكلأي سبب من الأسباب، فلماذا تفرض على طفلك ما أنت عاجز عن فعله ؟ وعندما يرفض أن يتناول نفس وجبات طعامك التي تحبها أو التي اخترتها لأنهاتناسب ذوقك، ونظام تغذيتك ومع ذلك تجبره على أن يأكل ما تعافه نفسه ماذاتفعل به ؟ إنك تحرمه من التعبير عما يشتهيه، تحجر على ذوقه واختياراته .
وعندما تختار له ملابسه بنفسك وترى أنها مناسبة له، مع أنها لا تعجبه،فيقول لك : ولكن أنا لا أحب هذه الألوان ولا هذه الأشكال ولا هذه الرسوم.. ومع ذلك يكون جوابك : عليك أن ترتدي ما اخترته لك، لا ما اخترته أنت ،ماذا فعلت ؟ إنك جعلته يرتدي عباءتك أو جلبابك أو قميصك .. لقد صار مثلك يرتدي وهو طفل صغير.
وعندما تجلس أمام جهاز التلفزيون وتبدأ تنتقل من قناة لأخرى ومن برنامجلنشرة أخبار.. وتمر الساعات ولا تنتبه أن طفلك بجانبك، يترقب أن تشعرهبوجودك ووجوده معك، وفي كل لحظة يوقظك من غفلتك ويعبر لك عن رغبته في أنيشاهد برنامجا هو يحبه، وأنت مع ذلك تمهله وهو يظل يلح ويلح ويلح وأنت لاتنصت لصوته المتكرر، وتصر على أن تتابع ما تشاهده ماذا فعلت ؟ إنك علمتإبنك أن يشاهد برامج الكبار، وأن ينصت لأشياء لا يدرك معناها بعد، لقدأفسدت طبعه الصغير، وفتحت عينه على عالم الكبار وهو لا يملك بعد مداركالتمييز، ولم يبلغ بعد سنوات الرشاد..
طفلك ليس كبيرا ليتفهم حكمتك، ولا نظامك، ولا ترتيب الوقت، ولا الذوقالرفيع من الساقط، لم ينضج فكره بعد، ليعرف أن للعب وقتا وللنوم وقتا،للراحة وقتا وللجد وقتا، لم يحسن بعد اختيارت صحيحة في الأكل أو اللبس .. لم يحسن بعد لغة الخطاب، واختيار الكلمات، وحركة الجسد ، وتعبيراته باتزان
دعه يتعلم، ولكن امنحه وقتا ليتعلم، لا تعجل عليه، فالشجرة لا تنمو فورزرع نباتها إلا بعد فصول من السنة حتى تثمر، لا تحرمه من فرحة إحساسه، ولامن نشوة حريته، ولا من رغبته بالصراخ، والركض في زوايا حجرته، واركانبيته. دعه ينطلق، ولكن أحرسه بعنايتك وبتوجيهك الصحيح له، وبإرشادك الرفيقبه، لا تكن معه متسلطا ولو كان ذلك لمصلحته، إنما لكل مرحلة من عمره رفقاوشدة في التعامل، فتوسط وضع الميزان بعدل وإنصاف، فيعدل معك في بره بكوعدم عقوقه لك.
تأكد بأنه يوما ما سيكبر وستقل حركته، وتتقيد خطواته، وتثقل كاهله أعباءالحياة، وستتحكم فيه مسؤوليات وواجبات، وحينها سيتذكر ما كنت تزرعه، وماكنت تقدمه له ، وسيعي حينها أنك كم كنت تحبه وتختار كل ما في مصلحته.
طفلك لا يستوعب معنى صوتك العالي، ونبل مقصدك، وأنك تحاول أن تحكم جماحتصرفاته وتلجمها بلجام التأديب والتهذيب، إنما يستطيع أن ينصت لكلمتكولفكرتك بأسلوب هادئ ورزين، حينها ستنجح في أن تزرع بداخله قيما وفضائلتظل توجهه وترشده، لا تجعله يكره سماع صوتك، ويخاف منك كلما حركت شفتيك،ويتمنى لو يقفل أذنيه حتى لا يسمع صوتك يرتفع، لا ترغمه أن يفعل ما تريدهفقط لكي يهدئك، ويسكن ثورة جموحك ، ويقول لك: حاضر سأنفذ أوامرك فقط توقفعن الصراخ .
طفلك لا يستطيع أن يعرف ما يجري بينكما كزوجين ، لا يفهم أن بداخل كل بيتمشاكل زوجية، تحتاج لتحل وإلى حوار ونقاش وجدال، قد يتأجج حينها الغضب وقدتثور الانفعالات، وتعلو الأصوات، فتلفظ الألسن كلمات كسهام جارحة، لهذاسيقلق وسيشعر بالألم مع أول مشهد يروعه، سيراوده إحساس بعدم الأمان كلماتكررت فصول هذا المشهد، وسيتمنى لو بإمكانه أن يوقف هذا النزيف من الألم،أو أن يهرب خارج أسوار بيته ويبتعد ,
ستتحول أحلامه الجميلة إلى حلم واحد هو أن يجد سكنا، وأن يمتلك بيتا هادئا ومريحا يشعر بداخله بالطمأنينة والسعادة والحب الحقيقي . طفلك لا يسأل نفسه هل أبي يحب أمي أو هل امي تحب ابي، لأنه لا يعرف معنىالكره، ولكنه يسأل فقط لماذا يصرخان ؟ لماذا يتشاجران ؟ لماذا لا يتكلمانبهدوء ؟ لماذا أمي تبكي في حجرتها ؟ لماذا أبي يضرب أمي ؟ لماذا أمي تغادرالبيت وتحمل حقيبتها ؟ لماذا أبي يغادر حجرته وينام في حجرة أخرى ؟ لماذاهما يتصرفان هكذا ؟ ..
طفلك أمامك حائر، لا يفهم ما يجري حوله، لا يستطيع حتى أن يسألك ليفهم ،ولا أنت تملك أن تفسر له كل ما يحدث، إبنك لم يكبر بعد ليفهم ما يجري ولاان يفهمك، وليس مستعدا ليعيش معاناتك ومعاناة والدته ,, لعل ما قدمته لا يتعدى أن يكون مشهدا واحدا من مشاهد معاناة أطفال كثيرة ،وليس كل الأطفال تعيش هذه المشاهد الأليمة، ولا كل الآباء يتصرفون بقسوة،ولا كلهم يسيئون معاملة أطفالهم أو التعبير عن حبهم لهم . ليست كل البيوت أسقفها منهارة، وأعمدتها غير ثابتة، فهناك البيوت الهادئةالمستقرة، وهناك الآباء والأمهات القدوة، كما أن هناك ما هو خلاف ذلكوعرضه واجب للحفاظ على هذا النشء الصغير حتى يشب ويترعرع . أطفالنا بحاجة إلينا، لنجعلهم يحيون الحياة الكريمة، لندعهم يحلمونأحلامهم الصغيرة، ويمارسون ألعابهم وأنشطتهم، لنوجههم برفق، ونحترمأفكارهم، لأنها ستكبر معهم، لنخلد بذاكرتهم ذكريات كلما استرجعوا شريطهاوهم كبارا علت وجوههم الفرحة، وغمرتهم السعادة.
أطفالنا سيحاسبوننا يوما لو قصرنا في حقوقهم، وسيقفون أمامنا ليقولوا لنابصوت عال : ليتنا كنا نملك ان نختار آباء سواكم، لأنكم حرمتمونا براءةالأطفال
منقول | |
|