إذا تأملت الأم طفلها المولود منذ أيام بسيطة ستجده أحياناً يرفع قبضة يده في الهواء، وأحياناً أخرى يضع الإبهام في فمه، علماً أن هذه الحركة لا تظهر عند بعض الأطفال قبل مرور عدة أشهر...
وتعتبر إجادة المهارة اليدوية إحدى المهام الأكثر صعوبة وحيوية التي يواجهها الطفل في أشهر عمره الأولى، إذ إن هناك ارتباطاً مباشراً بين المهارات اليدوية والنمو العقلي. فمن خلال اليدين، يكتشف الطفل وجود ارتباط بين الارادة والعقل. ففي الشهرين الأولين من عمر الطفل، يكون استخدامه لحواسه أكثر لكي يفهم بطريقة مبسّطة المعلومات المختلفة. فعلى سبيل المثال، إذا علّقنا لعبة متحرّكة فوق سريره ستلاحظ الأم أن الطفل يحرّك عينيه مع حركة اللعبة لكي يتابعها ويركّز عليها. أمّا إذا كانت اللعبة صوتية، وكان مصدر الصوت بجانب رأسه فسرعان ما سيحاول معرفة من أين يأتي الصوت.
أما إذا وضعت الأم إصبعها في كفّ الطفل فسيمسكه بقبضته... وكونه لا يتحرّك من مكانه، فإن الإثارة البصرية له تكون حيوية في تلك المرحلة. لذا، يمكن للأم أن تعلّق بالوناً ملوّناً على مهده أو التلويح فوقه بمنديل ما يشجعه على متابعة الحركة بعينه.وتكون خلال الاشهر الثلاثة الأولى حركة اليدين غير إرادية، إذ إنه يطبق على إصبع أمه في حال وضعته في راحة الطفل بقوة، ومعلوم انه لا يتمتع بقوة خارقة، لكن المقصود هو استجابة الطفل لحركة الأم بطريقة آلية وبمنتهى البساطة... وهذه الحركات ستتحوّل في الأشهر التالية إلى أفعال إرادية.
ساعديه على التطوّر
ويقع على عاتق الأم دور متمثّل في مساعدة الطفل على التطوّر. فعند مداعبة الأم طفلها بلعبة صوتية، تكون خفيفة على مفاصل يده، سيفتح الطفل أصابع يده لتقوم الأم بوضع هذه اللعبة في راحة يده، لكن الطفل لن يتمكّن من مسك هذه الأخيرة بقوة، علماً أن هناك أوضاعاً معينة يجب أن يوضع فيها الطفل اثناء هذا التدريب: فيجب أن تحرص الأم على وضع الطفل على بطنه ليلعب لتقوية عضلات ظهره وكتفيه وذراعيه ويديه. كما يمكن للأم أن تعلّق الألعاب على قوس فوق سريره ليتمرّن على حركة يديه. كما ان الطفل، وخلال الفترة الممتدة من ثلاثة أشهر إلى خمسة أشهر، يمكنه استخدام الألعاب الموسيقية. وعلى الأم خلال هذه الفترة أن تتكلم إليه من زوايا مختلفة من الغرفة فستلاحظ أنه يبحث عن صوتها.
كما انه سيبدأ بمحاولة لمس الأشياء البعيدة، ومن الجيد أن تترك الأم الطفل يكتشف الأشكال والأحجام الصغيرة المختلفة. وبالتالي، سيفرّق تدريجياً ما بين الخفيف والثقيل والناعم والخشن. وعندما يمل من الإمساك بالأشياء الموضوعة بجانبه سيبذل جهداً أكثر للاقتراب من الأشياء البعيدة عنه قليلاً. ولتشجيعه على ذلك، على الأم أن تضع شيئاً في متناول يده، ثم تبعده عنه أكثر وأكثر بحيث يضطر للالتواء من أجل الوصول اليه.
الفترة الحاسمة
وتعتبر المرحلة الممتدة من الشهر الرابع وحتى السادس فترة حاسمة في حياة الرضيع وهامة لاكتساب مهاراته الحركية الدقيقة، إذ يقوم بالربط بين ما يشعر به
وبين حركات يده. فهو لا يلتقط اللعبة المقدّمة له بل سيحاول الوصول إليها ليمسكها ويضعها في فمه. كما انه سيبدأ أيضاً في نقل الأشياء من يد إلى أخرى.
استخدام يديه
ويتمكّن الطفل من مسك الألعاب وحملها وضربها وهزّها والتقاطها ورميها في بداية الشهر السابع من عمره. ويعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الطفل في هذه المرحلة: كيفية تناول الطعام بيده ووضعه في فمه بعيداً عن أمه، إذ انه في البداية سيجمع الطعام بيده لكنه سيصعب عليه إدخاله إلى فمه. ومع نهاية تلك المرحلة، أي حتى الشهر التاسع من عمره، سيتمكّن من تناول الطعام بنفسه أو مسك الكأس بين أصابعه وإبهامه.
وللأم دور كبير في هذه المرحلة، فيجب عليها ترك الطفل على راحته حتى لو أثار ذلك بعض الفوضى، فذلك مهم جداً لأصابعه الصغيرة. وعلى الأم دائماً أن تحافظ على ظهر الطفل وكتفيه من خلال دعمها حتى يتمكّن من التركيز على تحريك أصابعه. كما ان ترك الأم الطفل يعمل الأشياء بنفسه يزيد من مهارته واستقلاليته.
حواس الطفل
بالمقابل، يتمكّن الطفل من التعرّف على حواسه من الشهر العاشر من عمره، إذ ينتقل الطفل خلال هذه المرحلة إلى أداء مهمّات أصعب، مثل تعلّم كيفية تحريك إحدى يديه بمعزل عن الأخرى، ما يعني أنه سيكتشف قنوات أخرى مثل أنفه وأذنيه، وكذلك داخل أنف الأم وأذنيها. وسيتمكّن من الإشارة إلى الأشياء التي يراها ويستخدم إشارات يده ليوعز اليك بحمله أو الإمساك بيده. كما يبدأ أيضاً بالتصفيق مع الأغنية التي يسمعها، ويحاول الوصول الى الراديو ويمد يده ليعبث به. ويمكن للأم مساعدته في هذه المرحلة عن طريق ربط خيوط ملوّنة صغيرة لكل من أصابعه بحيث يتمكّن من رؤيتها والشعور بها تتحرّك بمفردها. والأفضل من ذلك لمساعدة الطفل على تعلّم استخدام كل إصبع بمفرده، هو عمل الثقوب والفجوات. لذا، وفري له الطين ليصنع الثقوب في الأشكال المختلفة. كما انه سيفهم بعض الكلمات، لذلك اطلبي منه القيام ببعض الأشياء التي تتحدى مهارته الحركية مثل الضغط على لعبة صوتية.
قلق الأم
ومعلوم أن زيادة الانتباه إلى مهارات الطفل الحركية سوف تنبّه الأم إلى نمو الطفل وتجعلها تلاحظ إذا ما كان يعاني من مشاكل النظر. ويجب أن تلجأ الأم للطبيب في الحال إذا لاحظت أياً من الأمور التالية: عدم انفتاح أو ارتخاء يدي الطفل خلال الاشهر الثلاثة الأولى من عمره، أو عدم جمع يديه معاً أو التلويح بهما أو تحريكهما وذلك من الشهر الثالث إلى الشهر التاسع. وإذا لاحظت الأم أن طفلها لا يضع الألعاب بفمه بتاتاً وبلغ عمره الشهر السادس ولم يحاول الوصول للأشياء أو نقلها من يد إلى أخرى...فكل هذه الحالات تدعو الأم للقلق مع ضرورة اللجوء للطبيب المتخصّص.
ملاعبة الأم الطفل الرضيع
يعتبر لعب الأم مع طفلها مهماً للغاية، إذ إنه يدفعه إلى تحريك يديه لتحسين تناسق حركة اليدين، فإذا وضعت الأم مكعب قماش بين يدي طفلها لتدريبه على مسك ألعابه فستجد انه عند انتقاله لأي وضع جديد سيطوّر مهاراته الحركية. وعندما يضرب الطفل بيده الماء في حوض السباحة سيتناثر الماء، وسيدرك أن لأي فعل نتيجة، وستتحسن قدرته في التناسق والتحكّم بيديه. كما ان الألعاب المعلقة ستحسّن مهارته اليدوية، إذ إنه سيحاول ضغط الأزرار لتشغيل الألعاب أو تحريكها. وجرّبي معه إخفاء لعبة ما بحيث يظهر جزء منها بوضعها تحت بطانية أو شرشف أو وسادة ليبحث عنها، ثم اخفيها بالكامل وانتظري لتري كيف يتصرّف ليبحث عنها.