لماذا نضحك ؟
تتعدد الفرضيات والتفسيرات التي قدمها الفلاسفة والعلماء لموضوع الضحك .. ومنها :
1- الضحك هو ممارسة عدوانية في جوهرها حيث يحس الضاحك أن المضحوك منه أقل منه شأناً وأقل قيمة وفي ذلك استعلاء وشعور بالتفوق يعوض عن مشاعر النقص . وهذه العدوانية ليست مذمومةإلا حين تعمد إلى إيذاء مشاعر الآخرين وجرحهم .. وهي مقبولة في إطار الضحك والإضحاك ومتعارف عليها على أنها مزاح وفكاهة وليست جداً . وهذه الفرضية قديمة ولكنها مؤثرة وباقية وقد قال بها أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى فولتير وغيره .
2- الضحك ينشأ بسبب التناقض بين الشيء أو الأمر الحادث وبين ما اعتدنا أن يكون عليه . ويفسر ذلك أن الضحك ينتج عن المفارقة والتناقض وغير المتوقع أو المضخم أو غير المألوف أو سوء الفهم والتفاهم الاعتيادي . ويؤكد الفيلسوف الفرنسي برجسون هذه النظرية في كتابه النادر الضحك عام 1924، وأيضاً غيره من الفلاسفة.
3- الضحك ينشأ بسبب إرتخاء مفاجئ وتفكك مؤقت في مناطق الضبط النفسي بسبب التوتر والإحباط والعقد التي نحملها في داخلنا والتي تنتج عن ضغوط الضمير والقيم وغيرها من الضغوط ، ويأتي المثير الخارجي للضحك ليفتج المجال لإزالة التوتر والشحنات الانفعالية المتنوعة بداخلنا. وقد بين التحليل النفسي الفرويدي أن الضحك يشبه الحلم من حيث تحلله من القيم والممنوعات وأنه كلما زادت الضغوط كلما احتاجت تركيبتنا النفسية إلى التخفيف منها بعدة وسائل ومنها الأحلام والضحك . وفي ذلك نكوص مؤقت إلى مرحلة طفولية بما فيها من أحلام براقة وخيالات سعيدة جميلة . ويمكن أن يصبح هروباً من الواقع ومرضاً . كما يمكن أن يكون نضجاً وقوة ونوعاً من السمو الأخلاقي والذي يجعل الإنسان يواجه مواقف الحياة الصعبة بروح الهزل والاستخفاف وعدم الاكتراث " الفيلسوف الساخر " .
4- الابتسام والمرح والضحك والبشاشة والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والكوميديا كلها تصدر عن طبيعة واحدة في النفس البشرية المتناقضة حيث تمل الجد والصرامة والعبوس وتبحث في الفكاهة عن منفذ للتنفيس عن آلامها وواقعها ولو مؤقتاً مما يعيد التوازن النفسي ويؤدي إلى أداء أفضل ، وهو استراحة واسترواح ، ونشوة تنتج عن تقبض العضلات وتفريغ التوتر الجسمي والنفسي . وهذا رأي شائع ومنطق عام يؤيده كثيرون .
وفي الممارسة اليومية للطب النفسي نجد في حالة اضطراب المزاج المعروفة باسم الهوس أن مزاج المريض يكون منبسطاً مرتفعاً ومتفائلاً .. وهو يلعب بالكلمات ويغير من مدلولاتها بشكل مضحك وهو لايتوقف عن المزاح والمرح والضحك والإضحاك والتهريج الممتع ويمكن لمزاجه أن يتغير وأن يصبح اكتئابياً لمدة دقائق أو ساعات ثم يغلب المزاج الفرح والنشيط .. وهناك أشكال خفيفة من هذا الاضطراب أقل شدة .. كما نجد في حالات استعمال بعض المواد الإدمانية أن المريض يصبح منشرحاً ضاحكاً خيالياً .. ويدل ذلك على أن اضطراب كيميائية الدماغ بسبب مرضي ، أو بسبب تناول مواد ذات تأثير نفسي مزاجي ، يمكن أن يغير المزاج بشكل مرضي إلى الفرح المفرط والضحك والإضحاك ، مما يستدعي التشخيص والعلاج.
كما يدل على أن الإنسان في توازنه واعتداله وصحته لايمكنه أن يكون مازحاً طوال الوقت أو فرحاً ومضحكاً .. وبالطبع يختلف الناس في شخصيتهم ومزاجهم وميولهم .. ومنهم معتدلون وأصحاء ومنهم مرضى ومنهم بين هذا وذاك .
وتدل الدراسات على أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن لها أن تعدل المزاج وأن تخفف من التوتر والقلق .. كما أن مشاهدة البرامج المضحكة والأفلام الكوميدية مفيدة للصحة النفسية والجسدية . ويعتبر ذلك من الأساليب العامة العلاجية ، والتي لاتكفي في حالات الاكتئاب الواضحة .
وأخيراً .. وكما هو واضح فإن فهم الضحك والفكاهة قد أثار العقول والأفكار بحثاً وصياغة لتفهمه ، وبالتالي لفهم الإنسان وانفعالاته وتفكيره .. ولايزال الإنسان ذلك المجهول .. ولابد من الاعتدال في أمور الضحك والفكاهة دون إفراط أو تفريط .
مراجع :
- تفكيك الضحك ، هشام السلاموني . مجلة وجهات نظر . العدد 93 / أوكتوبر 2006 .- الفكاهة والضحك ، د. شاكر عبد الحميد ، عالم المعرفة ، يناير 2003 ، الكويت .- الطب النفسي والحياة ، الكتاب الثاني ، د. حسان المالح ، دار الإشراقات ، 1997 ، دمشق .- الضحك ، هنري برجسون ، دار العلم للملايين ، ط3 1983 ، بيروت .د:حسان المالح-استشاري في الطب النفسي-دمشق